روائع مختارة | روضة الدعاة | الدعاة.. أئمة وأعلام | شاعر العودة.. هارون هاشم رشيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > الدعاة.. أئمة وأعلام > شاعر العودة.. هارون هاشم رشيد


  شاعر العودة.. هارون هاشم رشيد
     عدد مرات المشاهدة: 6050        عدد مرات الإرسال: 0

أعلنت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بدمشق مُؤَخَّرًا عن أسماء الفائزين بجوائز دورتها الحادية عشرة، بعد أن وافق مجلس أمناء المؤسسة على تقرير لجنة التحكيم.

وقال رئيس مجلس أمناء المؤسسة عبد العزيز سعود البابطين في مؤتمر صحفي: إن جائزة الإبداع التكريمية منحت هذه الدورة للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد.

بينما تقاسمها في الشعر-"جائزة أفضل ديوان"- الشاعر يحيى السماوي من العراق عن ديوان "نقوش على جذع نخلة"، والشاعرة نبيلة الخطيب من الأردن عن جائزة "أفضل قصيدة " بعنوان "عاشق الزنبق".

وأوضح أن جائزة النقد لهذه الدورة حُجِبَتْ، على أنْ تُمْنَحَ لناقدين اثنينِ في الدورة المقبلة.

وفي هذه الإطلالة سنلقي الضوء على هذا الشاعر الكبير، الذي نشرت شبكة الإسلام اليوم بعض نصوصه مثل: (القصيدة الرصاصة، وماذا أيها العرب؟).

الشاعر الفلسطيني «هارون هاشم رشيد» من مواليد حارة الزيتون في غزة هاشم عام 1927، اسم ذو حضور خاص، اقترن بفلسطين وعذاباتها، فوقف شعره تارة على رؤوس أصابعه حزنًا على فلسطين وقضية شعبه وتارة أخرى ممتشقًا قلبًا لا يتوقف غضبًاز

وظل طوال نصف قرن وفيًا لاختياره مخلصًا في تعبيره بالهم الفلسطيني من خلال تجربته كانسان أبعد عن وطنه ظلمًا، وعاش مآسي وأحداثًا تقلبت على فلسطين خلال عمره المديد.

هارون هاشم رشيد من شعراء الخمسينيات الذين أطلق عليهم «شعراء النكبة» أو «شعراء المخيم» ويمتاز شعره بروح التمرد والثورة ويعد شاعرنا، شاعر القرار 194 كما وصفه الشاعر عز الدين المناصرة.

فهو من أكثر الشعراء الفلسطينيين استعمالًا لمفردات العودة، العائد، العائدون.. وشاءت الأقدار لهذا الشاعر أن يتعايش ويصاحب اللاجئين منذ اللحظات الأولى لهذه المأساة النكبة، فتفجر شعر هارون من هذه التجربة، وولد ديوانه الأول «مع الغرباء» عام 1954م رصد فيه معاناة فقدان الوطن.

وقدم له الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي وتضمن قصيدة بعنوان (قصة) روى فيها مشاهداته هو وأمه وإخوته الصغار لنسف بيوت حدث في غزة حيث كان عمره أحد عشر عامًا، هذا الحدث الذي أثر في توجهه الفكري والسياسي، وقال في القصيدة:

قصة قد حدثت بالأمس

من عشرين عامًا

حدثت في قريتي الخضراء

في أرض السلام

وآخر هذه القصيدة مقطع:

لن ينام الثأر في صدري

وان طال مداه

لا ولن يهدأ في قلبي

وفي روحي صداه

صوت أمي لم يزل

في مسمع الدنيا صداه

وأبي ما زال في قلبي

وفي روحي صداه:

أن تقدم ثابت الخطو

إلى الخير.. تقدم

وتعلم كيف تروي غلة الدم

بنيران ودم:

وقصائده تبدو وثيقة نفسية وإنسانية ترصد ألم اللجوء وحياة المشردين، وحتى اليوم مازال يستلهم قصائده من ألوان الحياة الفلسطينية، فقد أشبع دواوينه الأولى بموضوع اللاجئين والنكبة، ظل قريبًا من الناس بعيدًا عن النخبوية والمعارك الطاحنة بين القديم والجديد، بل ظل همه التعبير صريحًا عما يؤثر فيه، قريبًا من هموم شعبه وأمته.

أصدر هارون هاشم رشيد أكثر من عشرين ديوانا شعريًا إضافة إلى عدد من المسرحيات الشعرية التي أخرجت على المسرح وطافت عددًا من البلاد العربية، وشكلت أحد روافد المسرح الملتزم، وجددت تقاليد المسرح الشعري والذي لم يعنى به إلا فئة قليلة من الشعراء.

ويلاحظ أن قصيدة الشاعر هارون هاشم رشيد بقيت في إطار القصيدة العمودية أو شعر التفعيلة، ولم تلج القصيدة الحديثة؟

حيث أنه كان مرتبطًا ارتباطًا حميمًا بالتراث، ويعتبر أن القصيدة إذا لم تلتزم، أو تقطع في إطار ما أخذه من هذا التراث فإنما هي تنبت، وتصبح شيئًا منبتًا، لكنه كتب الشعر على نظام التفعيلة، أما الشيء الوحيد الذي ابتعد عنه في هذه المدارس الحديثة فهو محاولة الإيغال في الرمز أو الألغاز بحيث إنك تقرأ شيئًا ولا تعرف ماذا تقرأ.

إنه شاعر أحب أن يكون صادقًا فيما يكتب، معبرًا بصدق عن اللحظة التي يعيشها، حريصًا كل الحرص على أن يكون ذلك الخيط الرفيع بينه وبين المتلقي موجودًا، يعبر عن ذاته وهمه وهموم الآخرين.

وقد تأثر شاعرنا هارون هاشم رشيد بالشعراء الذين سبقوه على الساحة الشعرية في فلسطين منهم إبراهيم طوقان و عبد الرحيم محمود و عبد الخالق مطلق، فمثلما أخذ أو تشبع أو دخل حِسَّه الداخلي أبو تمام والمتنبي وامرؤ القيس كذلك كان إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود، وحتى شعراء المهجر اللبنانيين وربطته علاقات قوية مع عمر أبو ريشة ونزار قباني ومحمود حسن إسماعيل وأحمد رامي.

كل هؤلاء كان بينه وبينهم علاقات وطيدة وحب كبير، كان يتأثر ويؤثر بقدر ما يستطيع، لم يكن يعيش في برج عاجي لا بالنسبة لقضيته ولا بالنسبة للشعر والشعراء الموجودين.

واللافت في شعر هارون هاشم رشيد أنه شعر تاريخي تحريضي يرفع راية الكفاح والأمل منذ اللحظة الأولى لتفتح التجربة في ريعان الشباب وحتى اليوم، وقد أصيب بشيء من اليأس و تسربت الشكوك والهواجس إلى نفسه فيما كان يدعو له..

نعم، يستطيع كل إنسان يريد أن يؤرخ للقضية الفلسطينية ومراحلها ومآسيها أن يجد كل ذلك في قصائده، فهو إنسان فلسطيني عاش بدايات الهجمة الصهيونية، وشاء الله أن يكون أحد المتطوعين لمساعدة اللاجئين الذين يأتون عبر المراكب، كان المركب يقف بعيدًا وتذهب زوارق صغيرة لتأتي بالأطفال والنساء والرجال، ولسوء الحظ كان البحر هائجًا فتنقلب الزوارق.

ويذهب إليهم مع رفاقه ليحملونهم على أكتافهم الى أماكن اللجوء التي كانت في ذلك الوقت المساجد والمدارس، ثم في الخيام، لقد بدأ يحتك مباشرة بهؤلاء الناس ويرى المأساة بعينه كيف أن هذه الأسرة كانت تعيش في بيارتها وبيتها ومعاهدها ومدارسها وكرومها تتقلص حياتها لتكون في خيمة صغيرة، وكان من الأوائل الذين دقوا أول وتد من أوتاد هذه الخيام، وكانت أول قصيدة كتبها بعد عام 1948 تتعلق بالخيمة:

أخي مهما ادلهم الليل

سوف نطالع الفجرا

ومهما هدنا الفقر

غدا سنحطم الفقرا

أخي والخيمة السوداء

قد أمست لنا قبرا

غدًا سنحيلها روضا

ونبني فوقها قصرا

غدًا يوم انطلاق الشعب

يوم الوثبة الكبرى

فلسطين التي ذهبت

سترجع مرة أخرى

وهذا البيت الأخير كان يكتب على لافتات كبيرة ويكتبه اللاجئون في مخيمهم، وكان في ذروة الهزيمة، وأهله يتوافدون حفاة عراة لا أحد معهم، وكان يضعهم في الخيمة وكان يقول لهم من هذه الخيمة سيبزغ الأمل، ستشرق الشمس، وسيخرج العباقرة من المهندسين والأطباء والمفكرين والشعراء.

هذه الخيمة التي أراد لها مَن صَنع مأساتها أن تكون قبرًا للاجئين، لأن أول التصاريح التي صدرت في ذلك الزمان في الغرب قالت اتركوا هذه القضية للزمن، الصغار سينسون والكبار سيموتون وتموت القضية، لكن الذي حصل أن الكبار لم يموتوا، ولكنهم تركوا آثارا كبيرة من أجل العودة، والصغار أكثر تمسكًا بالوطن من الأجيال التي سبقتهم، وهذا سر تفاؤله، إنه لسان حال هؤلاء من أجل قضيتهم وحقهم في العودة.

يقول في قصيدة (الغرباء) التي كتبها عن اللاجئين في مخيم البريج:

لماذا نحن يا أبتي

لماذا نحن أغراب

أليس لنا بهذا الكون

أحباب وأصحاب؟

هذه الصرخة، وهذا التساؤل هو الدعوة الى أن نخرج من هذه الغربة من أجل العودة الى الوطن.

وكتب "ثورة الحجارة" عن الانتفاضة حيث كان يبشر بولادتها على أيدي الأجيال الحديثة ومسرحية شعرية كاملة بعنوان "عصابة الشوق" وتتناول ثورة الحجارة والأبطال والعودة.

ومن أهم أعماله الشعرية: "مع الغرباء" و "عودة الغرباء" و "غزة في خط النار" و "أرض الثورات" و "حتى يعود" و "سفينة الغضب" و "رحلة العاصفة" و "طيور الجنة" و "وردة على جبين القدس" و...

ولتكن هذه الإطلالة تحية وفاء وتقدير لشاعر أخلص لإسلامه وعروبته فجعل جل همه قضيته وقضيتنا الكبرى قضية فلسطين...

الكاتب: محمد بركة

المصدر: موقع نوافذ